بل قال: وما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم ، فأجاب بأنّ فيه مانعًا من قتله وهو شهوده بدرًا، وفي الجواب بهذا كالتنبيه على جواز قتل جاسوسٍ ليس له مثل هذا المانع، وهذا مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب أحمد | |
---|---|
قال ابن عرفة رحمه الله: " وهنا ثلاثة أسئلة: | حاطب بن أبي بلتعة هو حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة -رضي الله عنه وأرضاه-، وهو صحابيٌ جليل وُلد في السنة الخامسة والثلاثين قبل الهجرة، وقد دخل في قريش بحلفه مع بني أسد ، كان حاطب بن أبي بلتعة من كبار المهاجرين وقد شهد وكان من الرماة الماهرين وكذلك كان من تُجَّار الطعام ، أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس لدعوته إلى رسالة الإسلام وذلك بعد عودة النبيِّ من الحديبية من السنة السادسة للهجرة لكن المقوقس بقي على دينه ، وقد جاء أحد العبيد يشكوا حاطبًا بن أبي بلتعة للنبيِّ فقال: ليدخلنَّ النار فردَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذبت، لا يدخلها أبدًا، وقد شهد بدرًا والحديبية، تُوفي حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه وأرضاه- عام ثلاثون للهجرة |
وهذه من أهم المسائل التي يقع فيها الغلو، فمن الغلاة من يكفّر بالكبائر، ويرى خلود أصحابها في النار، ومنهم من يرى أن العاصي لابد أن يعاقب في الآخرة.
19قال أبو بكر الجصاص رحمه الله: "ما فعله حاطبٌ لا يوجب الرِدّة، وذلك لأنه ظنّ أنّ ذلك جائز له ليدفع به عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقيّة، ويستبيح إظهار كلمة الكفر، ومثل هذا الظنّ إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار، ولو كان ذلك يوجب الإكفار لاستتابه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا لم يستتبه وصدّقه على ما قال عُلِم أنه ما كان مرتدًا | فهذا الحديث ذكره البخاري -رحمه الله- تحت باب ترجم له بقوله: "باب مَن نظَرَ فى كتابِ مَنْ يحذر على المسلمين، ليستبين أمرُه" يعني جواز ذلك بغير إذنه |
---|---|
فهذا الفعل من حاطب -رضي الله عنه- يحتمل أن يكون كفراً وردّة عن الدين وخيانة لله ورسوله، ويحتمل أنه متأول في فعله ولم يكفر، فلما سأله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نفى أن يكون ذلك منه ردّة عن الدين، وأنه باقٍ على إيمانه بالله ورسوله، وأنه إنما فعله ليحمي أهله وماله في مكّة، فقبل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله، وحمل فعله على غير الكفر، ثم عفا عنه | أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سأله عن السبب الذي حمله على فعله، وهذا الاستفصال يدلّ على أن من الموالاة ما ليس بكفر، وإلا لما كان للسؤال فائدة |
وبيّنوا أن شهوده بدرًا ليس مانعًا من تكفيره لو كان الفعل كفرًا؛ لأنّ الكفر محبط للعمل، ولكنَّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- عفا عنه ولم يعاقبه على تجسسه لسابقته تلك.